عليٌّ (عليه السلام) في ذكرى استشهاده
لايخفى أن علياً (عليه السلام) هو مَن ولد في الكعبة المشرفة في ما نقله الشريف الرضي (ولانعلمُ مولوداً في الكعبة غيره) وكثير من كتب الأخبار. وهو من كرَّم الله وجهه ، إذ لم يسجد لصنم أو وثن ، وهو أول من آمن برسالة الإسلام ولم يبلغ الحلم. حمل لواء المسلمين في أغلب معاركهم وغزواتهم . ذلك الشجاع ، الحليم، المتواضع ،المستبصر ، الزاهد ، العالم ، فقد نال إعجاب أعدائه قبل أصدقائه ، فلم يعرف التاريخ عظيماً دلَّهُ عقله الجبار منذ بضعة عشر قرناً على اكتشاف سر الإنسانية الصحيح ، فإذا سرُّها متصل اتصالاً وثيقاً بالناس ، فإذا هو يحارب الأمراء والولاة والأثرياء ، يحارب عبثهم وسخف تفكيرهم في سبيل نصرة المظلومين ، فيُقسم قائلاً ” وأيم واللهِ ، لأنصفنَّ المظلوم من ظالمه ، ولأقودنَّ الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق ، وإنْ كانَ كارهاً ” ، وهل أعظم من علي (عليه السلام) بعد رسولنا الأكرم في العقيدة التي لاتجرِّحها الزلازل ولا يشوبها من البراكين وهن ، وهو الذي لايوارب ولا يهادن أو يساوم .فليس مثله في التاريخ من محارب شجاع فائق الشجاعة ، فيبلغ حبه لصفة الإنسان في مقاتليه ويبلغ عطفه عليهم أن يوصي أصحابه وهو المصلح الصالح الكريم المغدور به إذ يقول : ” لاتقاتلوهم حتى يبدأوكم ، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مُدبراً ولا تصيبوا مِعوراً ولاتجهزوا على جريح ولا تهيجوا النساء بأذى ” .
لم يكن كعليٍّ (عليه السلام) أميرٌ توافرت لديه أسباب السلطان والثروة ، كما لم تتوافر لسواه ، فإذا منها جميعاً في شقاوة وحسرة دائمين وتوافرت لديه محاسن الحسب الشريف ، فقال : “لاحسبَ كالتواضع” ، وأحبَّهُ محبُّوه فقال: ” من أحبَّني فليستعدّ للفقرِ جلباباً ” . وليس أعظمُ منه إماماً يوصي ولاته بمثل هذا القول في الناس : “فأنَّهم إمَّا أخٌ لكَ في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق ، إعطهِم من عفوكَ وصفحكَ مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوهِ وصفحه ! ” .
وهل هناك أعظم من بليغ آخذ من الفكر والخيال والعاطفة آياتٍ تتصل بالذوق الفني الرفيع ما بقي الإنسان وما بقي له خيال وعاطفة وفكر ، مترابط بآياتٍ متساوق متفجِّر بالحس المشوب والإدراك البعيد يجمع بين جمال الموضوع وجمال الإخراج حتى ليندمج التعبير بالمدلول .
عليٌّ (عليه السلام) صاحب الخلق العظيم يلتقي مع المفكرين بسمو فكرهم ومع العلماء بعلمهم ومع الخيرين بحبهم العميق للخير ، ومع ذوي المودة بموداتهم ، ومع الزهَّاد بزهدهم ، ومع المصلحين بإصلاحهم ، ومع المظلومين بمشاعرهم وتمردهم.
علي (عليه السلام ) من رسولنا الأكرم بمنزلة هارون من موسى حتى قال في نهج البلاغة : ” أنا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) كالعضد من المنكب وكالذراع من العضد وكالكف من الذراع ، ربَّاني صغيراً ، وآخاني كبيراً ، ولقد علمتم أنِّي كان لي منه مجلس لايطَّلِع عليه غيري ، وإنه أوصى إليَّ دون أصحابه وأهل بيته , ولأقولنَّ ما لم أقله لأحد قبل هذا اليوم ، فسألته مرَّة أن يدعو لي بالمغفرة ، فقال : اللهمَّ بحقِّ علي عندك اغفر لعلي ، فقلت : يا رسولَ الله ما هذا ؟ فقال : أوَ أحدٌ أكرم منك عليه فاستشفع به إليه ؟ “.
وكان على هو الأكرم بعد الرسول ، فهو أبو السبطين وهو شهيد المحراب الذي قال حين اغتالته يد الكفر والطغيان عبارته الشهيرة : “فزتُ وربِّ الكعبة” فيا لهُ من فوزٍ عظيم حين تتخضب لحيته بدمِ الشهادةِ ، وهو يسجد بين يدي ربٍّ كريم ! .
الدكتور طالب الموسوي
عضو مكتب تنفيذي في رابطة الجامعات الإسلامية .
رئيس رابطة الجامعات والكليات الأهلية .
رئيس مجلس إدارة كلية الكوت الجامعة